◊۩二 رمضــان كريم .. وأعاننــا الله على صيــامه وقيامه 二۩◊

إشــــراقة شمــــــس


فتحت نافذة غرفتها بيدها الناعمة .. لتسمح للشمس بخيوطها الذهبية بأن تتسلل إلى غرفتها لتبعث الحياة في أرجاء الغرفة المظلمة .
قررت نسيان الماضي .. وتعب السنين السابقة .. والبدأ من جديد .
أخذها التفكير إلى الماضي بحلاوته ومرارته .. ودار بها التفكير إلى هذه الدنيا الدوارة وصدق من قال : [ يوم لك ويوم عليك ] .
تذكرت ليلى سنوات العذاب والألم .. سنوات الذل والهوان .. سنوات التعب ونكد العيش .
عاشت أحداث لن تنساها .. ولم تنسى ذلك اليوم عندما أتاها يطلب يدها من والدها .. لم تتردد فـ بمثل وسامته لا يرد .. وآلاف الفتيات يتمنين القرب منه .!
مرت أشهر الخطوبة سريعة .. حتى أتى يوم الزواج وزفها إلى عريسها ففي هذا اليوم تبتعد الفتاة عن أهلها ومن عاشت معهم وتبدأ حياة جديدة مع زوجها .
تركت ليلى بيتها ودموع الحزن والفرح قد غطت مقلتيها .. فقد تركت بيتاً عاشت فيه عقدين من الزمن وودعته لتذهب إلى بيت زوجها .
دموع متضاربة لم تجد لها جواب .!
انتهى حفل الزواج .. بسرور بالغ بين الأهل والأصدقاء .. وأصوات الزغاريد تملأ المكان فرحاً وسعادة .
انطلقا إلى الفندق الذي سيؤويهم هذه الليلة .. دخلت الغرفة لتبدل ثوب الزفاف الأبيض .. بينما هو ينتظرها بالخارج .
لبست بيجامتها الوردية الأنيقة الجميلة والتي تزيد من شكلها جمالاً فوق جمالها وأناقة رائعة .
كان اللقاء صعباً عليها .. فهي أول مرة تخلو فيها مع رجل من غير محارمها .
خرجت من الغرفة والخجل يملأ وجهها احمراراً رائعاً .. ولكن يا للمفاجأة .!
لم تره .. أين خرج ؟ ومتى ؟ أنتابها الذهول .. وأصابتها الحيرة .. وعلا محياها الاستغراب .!
يا ترى أهو قد ذهب ليجلب الطعام ؟ قد يكون كذلك .!
فالمكان يمنحها الخوف .. والصمت يزيد من رعبها ورهبتها .!
فقد كانت جالسة على أريكة غرفة المعيشة المريحة تعد الثواني والدقائق .. حتى ملت من الانتظار .. واستسلمت للنوم بعد أن غلبها النعاس .
أشرقت شمس الصباح .. فاستيقظت من نومها .. وتفاجأت بهذا المكان .! لكن سرعان ما تذكرت أحداث ليلة البارحة .
وذهبت لغرفة لنوم لتراه أهو قد رجع ؟.. فوجدته نائما وشخيره يكسر صمت المكان .
غضبت منه .. واتجهت إلى المطبخ .. لتعد طعام الإفطار.. ثم توقظه فيما بعد .
_ أفق يا وائل .. قد حان وقت الفطور .
قام متثاقلاً يجر الخطى .. وذهب إلى الحمام ليأخذ حماماً سريعاً .
وبينما هما يأكلان سألته ليلى :
_ حبيبي أين كنت ليلة البارحة .؟ لقد قلقت عليك كثيراً .. وأصابني الخوف والهلع من المكان .
_ هذا أمر لا يعنيكِ
وقام غضبان .. يزفر بغيظ شديد .. وخرج من الجناح بعد أن أوصد الباب بقوة وعنفوان .
ندبت حظها التعيس في ليلة الزواج .. وبكت بكاء طفل سلبت منه لعبته .
عاد في الليل تحت تأثير المسكر .. فوبخها وشتمها وسبها .. بلا سبب يذكر .!
قررت الصبر عليه .. ومحاولة تغيير حاله .. فكيف تطلب الطلاق ؟ ولم تعش معه سوى يوم واحد .
الألسن لن ترحمها .. وستجرحها .. وستدمي قلبها .. وستؤذي كذلك أهلها .
وفي اليوم التالي .. حالته أفضل بكثير .. فقد بدا مهتماً لها .. يريها كل ركن في بيتها الجديد .. فاستبشرت خيراً !
ولكن لم يكن استبشارها صحيحاً .. فحالته كما هي أو تسوء يوماً بعد يوم .. فيكون إما سكران أو غضبان .
حالته جداً سيئة .. والعيش معه صعب .. والحياة في داره مملة لأقصى حد .
لذا قررت أن تصارحه .. وتخرج له ما في قلبها .. لعله بسمع لها .. ولعل أن يكون من بعد عسر يسرا .
مرت الساعات وهي تنتظره .. حتى أظلمت الشوارع والطرقات .. فعاد .. وحمدت ربها بأنه غير سكران .
صافحته بابتسامتها الجميلة التي ترسم أحلى وأجمل لوحة على وجهها .. وسألته عن حاله .. ودار هذا الحديث :
_ يا وائل إلى متى وأنت على هذا الحال .
يا وائل قد مللت هذه الحياة وهذه العيشة .
يا وائل إن هذا المسكر لن يجلب لنا إلا الدمار والدمار فقط .
لم تكمل كلمتها الأخيرة إلا بضربة من كف يده استقرت في خدها ورسمت أصابعه الألم والحزن الخارجين من قلبها .
][ ضربني بكف ليس بها عطف أو حنان .. هز كبريائي .. وأغتال حلمي .. وزاد من آلامي .. ضربني من غير رحمة بحالي .. جعل دموعي تخط على خدي تحكي الألم وترسم الحزن على واقعي المر .. فمتى يأتي ذلك اليوم التي تعود فيه ابتسامتي .. متى يأتي اليوم الذي أتلقى عطفأ منه أو رحمة .. رحمة فقط .. إلى متى يستمر بتعاطي هذا اللعين ذلك المسكر ][ .
بهذه الكلمات أغلقت ليلى دفترها .. وأغلقت غطاء قلمها .. ونامت والدموع كمطر غزير يغسل الخد المحمر .
مرت الأيام وكذلك الأسابيع .. ووضعه لم يتغير .. من سيء لأسوأ .. وهذه الحياة لا يطيقها حيوان .. فكيف بإنسانة تحمل قلباً مرهفاً رقيقاً وإن كان قد قوي بحكم الحياة التي تعيشها .
ثلاث سنوات مرت وهو كما هو .. حتى جاء ذلك اليوم .. أتى زوجها ومعه ثلاث من شياطينه والسكر قد أضاع عقولهم .. فدخلوا عليها .
لم تستطع ان تتحرك برهة من الزمن .. ولكن سرعان ما تداركت وضعها .. وهربت إلى المطبخ .. وأخذت سكيناً حادً علها تحمي نفسها به .
خرجت من المطبخ وإذا بهم أمامها .. والشر يتطاير من أعينهم .. فاقتربوا منها .. وكان أقربهم زوجها .. فـ غرست سكينتها في قلبه .. لترديه قتيلاً .. وليهرب أصدقائه .
ذهبت إلى غرفة نومها .. وأخذت عباءتها .. وانطلقت والرعب يسري في جسدها .. فاستقلت سيارة أجرة وانطلقت إلى منزل أهلها .. ولحسن حظها لا يوجد إلا والدها .. فحمدت ربها .
وقصت له قصتها .. وحكت الخبر .. بلسان متثاقل خوفاً .. وبعين تبكي دماً .. وبقلب يرجف رعباً .
انتهت الإجراءات بسرعة .. بحكم معارف والدها .. وأيضاً بعد أن قبضت الشرطة على أصحاب وائل الذين اعترفوا بجريمتهم .. واعتبرت الشرطة هذا القتل بالدفاع عن النفس .
ولكم ما كتبت ليلى عن هذه الحادثة :
][ قتلته بيد لم تعرف الجريمة .. لطخت يدي بدمه .. يدي الناعمة تفعل هذه ؟ .. لا أستطيع تصور الموقف .. وكيف غرزت السكين في جوفه وفي أحشائه .. لم أكن أرغب بقتله .. و كم كنت أتمنى صلاحه .. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .. لا أستطيع تصور الحادثة والموقف .. يا ليتني مت قبل هذا .. أنا قاتلة !! أنا مجرمة !! أنا سفاحة !! ][ .
مرت سنة على تلك الحادثة .. كانت تعيش مكرمة معززة في بيت أهلها .
حتى جاء ذلك اليوم الذي خطبها فيه محمد .. وبالطبع كان الجواب الرفض .. فلم تكن ترغب بتجربة الزواج مرة أخرى وقد كتبت هذه الكلمات :
][ أتى لي زوج جديد ..ليعيد ذكرى الماضي .. بالطبع رفضته .. فتكرار الآلام صعب على قلبي الرقيق .. ولكن أنا مترددة .. مرة أوافق ومرة لا .. ولكن لساني أطلق الرفض .. وعقلي وقلبي يأمراني بالموافقة .. إنني حائرة ][ .
وبعد محاولات حثيثة وافقت ليلى على الزواج من محمد .
.
.
أفاقت من تخيلاتها بعد أن ربت زوجها محمد على كتفها والتفتت إليه لترى وجهه البشوش فانطلقت ابتسامة من شفتيها الصغيرتين وقالت له : صباح الخير .
وهذه الحادثة بعد مرور عام على زواجها بمحمد .
رأت في زوجها المحبة .. عوضها بذلك الحنان الذي افتقدته .. فرفعت يدها شكراً للرب .. وهي الآن تنتظر مولودها بفارغ الصبر .. علماً بأن زوجها المقتول لم يمسها طوال الثلاث سنوات .. وهذا ما جلب السعادة لمحمد .
][ شكراً لك ربي .. شكراً من أعماق قلبي .. شكراً لأنك أعطيتني من يحبني .. شكراً لأنك منحتني أملي .. شكراً أنطقها من أعماقي .. جلبت لي ذلك الزوج الذي يوفر الحنان والعطف لي .. شكراً لأنك رزقتني .. بذلك الذي يحبني .. فشكراً لك ربي ][ .
بهذه الكلمات .. أغلقت الكتاب .. ودمعة تطل من عينيها .. مع إشراقة شمس الصباح .!

كتب / خالد البراهيم
20/09/2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق