◊۩二 رمضــان كريم .. وأعاننــا الله على صيــامه وقيامه 二۩◊

عائد في وسط الظلام



يشد من قبضة يده على رأسه .. فالألم يحاصره .. بعدها يترك رأسه .. ليتجه لـ أضافره فيقضمها بقوة من الخوف .. الظلام يجلب الرهبة .. حتى انه لا يكاد يرى إصبعه .
ناداه أحدهم .! بصوت غلظ بغيض تعود عليه .. ولكن هذه المرة سقط مغشياً عليه من الرعب .!
لم يكترث لسقوطه ولا لمرضه .. بل ركله بقدمه وبصق عليه .. بعدها عاد من حيث أتى .
.
.
تبكي الليل والنهار .. وأيضا في وسط الظلام .
دموعها تسقط دماً .. تحكي واقع الحزن والألم الذي تعيشه .!
لم تكن تتوقع حدوث مثل هذه المصيبة التي حلت بها .. وعلى أحب أحبابها .. وأقربهم إلى قلبها .. وهو حياتها .. إنه زوجها .
اتهموه بتهمة كاذبة .. انطلقت من أفواههم .. لترميه في الجحيم والعذاب .. ولتفرق شمل الأسرة الصغيرة السعيدة .. اتهموه بالقتل عمداً وهو ذلك الطيب الذي لا يحب الضرب فكيف بالقتل .!
لم تفقد أملها .. فكانت الصابرة التي قولها (( قدر الله وما شاء فعل )) .. وزاد من أمانها وجود أبنيها معها .. يذكرونها به .. ويمنحوها الأمان وأيضاً الأمل .!
.
.
أفاق من غيبوبته .. أراد أن ينطق .. أراد أن يقول (( كفاية تعذيب .. أنا بريء )) .. لكنه لم يستطع إلا أن ينطق بالآه التي أخرجها قلبه .
كان ما يخفف من ألم التعذيب [ لأجل الاعتراف ] ذكرياته السابقة مع زوجته وابنيه .. وابتسامتها الحلوة عندما توقظه من النوم أو عند استقباله عندما يعود من عمله .. وأيضاً صراخ ابنيه وعراكهما .. لأجل لعبة لا تسوى ثمن .!
لم يصدقوا قوله .. كذبوه .. اتهموه .. حلف باليمين فزاد تكذيبهم .. وأقسم بالله فاشتد تعذيبهم .
وبينما هو يصارع الألم .. تذكر حادثة العام الماضي .. وكأن القصة حصلت مساء أمس .. فهو لم ينسى ذلك اليوم .. يوم بداية الجحيم .!
> يمشي في إحدى الحارات في بلدته .. وفي وسط الظلام .. كعادته كل ليلة .. يمارس رياضة المشي .. لتزيده صحة ونشاطاً .. كان يعشق هذه الرياضة .. لدرجة أنه نادراً ما يتركها .
سمع صوت سيارات الشرطة والإسعاف قادمة .. والحالة مضطربة نوعاً ما .. لم يهتم لأن ليس له شأن في الأمر .. أكمل سيره .. وتابع مشيه .. حتى تمر ساعته المعتادة .. وبعدها يعود لمنزله كعادته ..
وقفت أمامه سيارة شرطة .. ونزل العساكر منها بسرعة .. وكبلوه ورموه كرمي الصياد لفريسته بعد قتلها .! لم يكن يعلم أين هو ذاهب .. حتى وجد نفسه في قسم الشرطة ..
اتهموه بتهمة سافرة كاذبة .. اتهموه بجريمة شنعاء بشعة .. اتهموه بالقتل .. وقتل من ؟ قتل الوزير .. لم يصدقوه .. وكذبوه .. ورموه في غرفة مظلمة قاسى فيها أنواع العذاب النفسي والمعنوي .. وهو الآن فيها منذ سنتين <
.
.
_ أين أبي ؟.. لم أره منذ مدة .!
صدى صوت ابنها يتردد في أذنها .. فلم تستطع حبس دمعتها فسقطت ثم تبعتها أخرى .. حتى صار خدها كالنهر الجاري .
لم تستطع إخفاء الحزن البادي عليها وهي تستمع إلى سؤال ابنها .. وفاه يصور حزنه وألمه ويطلقه ليستقر في قلبها الكسير الأسير .
لم تقدر على منع الدمع من السقوط وهي ترى في عيني ولدها الحرمان وينطق لسانه بالأحزان .
أمسكته بقوة وجذبته إليها ليستقر في صدرها الحنون .. تمسح الدمع على خده .. لتختلط الدموع مع بعضها البعض .!
قالت له وهي تنطق بصعوبة من البكاء :
_ انتظر سوف يأتي أبوك .. يشتري لك الحلوى والألعاب ويذهب بك إلى الحديقة لتلعب فيها .. انتظر فالفرج قريب .!
لا يزال الأمل يحدوها على خروجه من السجن .. وهل هناك شيء غير الأمل والدعاء تتمسك بهما .!
.
.
يمشي في الممر الضيق وعلى جواره جنديين يمسكون يديه .. عبر ممر ضيق لطالما مر به حتى حفظه جيداً .
> يقودانه وهو ملطخ بالدم .. لا يقوى على المشي .. فساقه مكسورة من التعذيب .. وجلده تحول للون الأحمر .! .. لم يهتموا له .. بل يقودانه بعنف وشراسة .. وكأنه دمر العالم بأكمله ..!
أدخلوهـ على غرفة المحقق .. ليعترف على فعلته التي لفقوها له.. كان يشير له بيده اليمنى يأمره بالجلوس .. واليد اليسرى تحمل سيجارته .
كانت هذه أول مرة يدخل فيها غرفة التحقيق التي دخلها عشرات المرات .. جلس على الكرسي .. فباشره المحقق بالأسئلة .. ولكن لم يعترف .. وهل يعترف على فعلة هو لم يفعلها ؟!! .
أمر الجند بأخذه إلى زنزانته .. وهذه الطريقة تعود عليها .! <
أفاق من الحلم أو من تذكر الماضي وهو يدخل إلى غرفة التحقيق التي أعتاد على دخولها .. وحفظ كل ركن فيها .
جلس على الكرسي المهتري .. بعد أن أصدر آهة قوية من الألم .. ونظر إلى وجه المحقق الذي ينظر إليه بنظرة لم يفهم مغزاها .. لم يتكلم ففضل الانتظار .!
_ هذه آخر مرة سترى فيها وجهي .
_ كيف ؟ هل سأنقل إلى سجن جديد ؟ أم سينفذ الحكم الظالم علي .. وأقتل ؟
_ لا بل ستخرج من هذا المكان وإلى الأبد بإذن الله .
_ كيف اقتنعتم بأني لست القاتل .. هل صدقتم أقوالي أخيراً .. بعد التعذيب أو بعد إبعادكم لي عن زوجتي وولدي .. هدمتم لي حياتي .. بلا دليل وبلا برهان .. مجرد شك أودى بي إلى الهلاك والضياع .. فقدت وضيفتي .. ضيعتم مستقبلي .. لأجل تهمة ليس لها أي دليل .!
_ لقد وجدنا القاتل الحقيقي .. والباب مفتوح أمامك لتخرج .!
خرج من باب السجن في وسط الظلام .. ليعود لبيته الجميل والشوق يعتليه للقاء أهله .. بعد الغياب .
.
.
أفاقت من نومها .. بعد أن رأت حلماً سعيداً .. حاولت تفسيره فلم تستطع .. رسمت على شفتيها بسمة كانت قد اختفت منذ فترة .. واستغربت ظهورها هذه الليلة .!
من دون أن تدري عن حالها إلا وهي سابحة في بحر الخياال والتفكير والحنين لذلك الغائب الذي خرج في وسط الظلام ولم يعد .!
طرق بسيط على الباب الخشبي .. تعودت على سماع هذا الصوت من قبل .. لكن منذ فراقه لم تسمعه .!
أغلقت عينها برهة من الزمن ثم فتحتها ثم أغلقتها لا تدري أهي في حلم أم ماذا ؟ لا تدري ولكن تتمنى أن تتحول الأحلام لواقع تعيشه .!
.
.
فتح الباب ببطء .. فرآها وابتسامتها تحلو ذلك الوجه البشوش .. تعانقا عناق حار .. عناق الفراق والعذاب .. دام طويلاً كطول غيابه .!
][ عائد قد كانت عودته حلم من أحلامي .. فـ فراقه زاد من أوجاعي .. ليعود وتعود معه آمالي .. قد عاد الحبيب .. عاد الخليل .. عاد ليروي ضمئي برؤيته .. عاد لتعود معه الحياة .. إنه العائد الذي لطالما انتظرت عودته .. إنه العائد الذي كنت متعطشة للقائه .. قد عاد وفي وسط الظلام ][
لتغلق الكتاب .. وتنتهي حكاية العذاب
لترقد في أحلامها السعيدة .. في وسط الظلام ...!
كتب / خالد الفيلسوف
23/09/2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق