◊۩二 رمضــان كريم .. وأعاننــا الله على صيــامه وقيامه 二۩◊

لا أملـك الـ ع ـقل .. فضعت وضاعت دروبي !

بسم الله الرحمن الرحيم
{ لا أملـك الـ ع ـقل .. فضعت وضاعت دروبي ! } ..

ذات يوم من أيـام الشتـاء البـاردة في مدينـة ( الريـاض ) دعانـي أحد الأصدقـاء إلى وليمـة للعشــاء في منزله بمناسبـة قدوم أحـد أصحابـه من الدراسـة في الخارج وهو يعتبر من أصدقائه العزيزين على قلبـه .. رأيـت في سيماه الخير والصـلاح والتقى - أي صاحب صاحبنا - وأعجبني منطقـه وفكره وأحسست أن له قصـة وكان هذا مجرد توقع مني لذا عندمـا انتهى العشـاء وبدأ المدعوون بالمغادرة أمسكت بصاحبي جانبـاً وقلت لـه : أظن أن لهذا قصـة ؟! فضحك طويلاً وقــال : يعجبني فيك توقعك الصائب في معظم الأمور سأحكي لك القصـة حينمـا يغادر جميـع الضيوف ابتسمت له وانصرفت عنـه ليكمل ترتيب بعض الأمور التي تستعدي أن يقوم بهـا كإدخال الشاي والبخور وما إلى ذلك من ترتيبات للمكان بعد مغادرة الضيوف وبعـد أن انتهى أتى إلي وكنت وحدي في المكان فقال لي : دعنـا نغير المكان وسأحكي لك القصـة في السيارة فقلت له لا مانع وركبت معه في المقعد المجاور للسائق في سيارتـه الجديدة والفخمـة وبدأ في سرد القصـة .. يقول صاحبنـا ...
كان هذا الإنسان من أسـوأ الإنسان خلقـاً .. وتدينــاً فقد تعرفت عليه عندمـا كنت في ( كندا ) كان يعتبر من ( حثالة ) الشعب العربي في تلـك المنـطقـة ليس هنـاك ذنب إلا وأرتكبـه ولا معصيـة إلا وفعلهـا ومع ذلك كنت دائمـاً أحاول أن أتقرب منـه لأني أحسست أنه بحاجـة لي وبحاجة لشخص أكبـر منـه يوجهه ويعلمـه وأنا أكبر منه بـ 3 سنوات .. إلى أن أتى ذلك اليومـ والذي رأيتـه واقفـاً في أحـد الشوارع القريبـة من شقتي في ظلمـة الليـل وزخات المطر تتساقط لتعطي برودة إضافية للمكان فتعجبت من حـاله واقتربت منه فرأيت دموعـه تتساقط لتختلط مع قطرات المطر وعندمـا علم بوجودي مسح دموعه بحركة سريعة وجعلني خلفـه ومشى بخطوات سريعـة فلحقت بـه وأمسكت بيدهـ اليمنـى فلاحظت أنه في حالة غير طبيعيـة ويدهـ تهتز في يدي فقلت لـه ما بالك فبدأت دموعه بالانحدار وهو يريد أن يخفيهـا ويوقفهـا ولا يستطيع خلعت وشاحي وألقيته عليـه وأمسكت بـه وأخذتـه إلى شقتـي وأعطيتـه قدحـاً من الشاي مع حبـة لعلاج الصداع وأعطيتـه مفرشـاً للنوم وتركتـه .. لم أعرف لماذا فعلت هكذا لقد أحسست أنه بحاجة للنوم في غير شقته وأحسست أنه بحاجة لي وأيضـاً تركي لاستفسارهـ عن مابـه لأني أحسست أنه لن يخبرني إلا إذا أخذ الراحة الكافيـة .. وفي الصباح أيقظته في وقت صلاة الفجر فقال لي إن دوامي بعد 4 ساعات فقلت لـه الآن وقت صلاة الفجر فاحمرت وجنتاه وخجل مني وذهب ليتوضـأ وصلينـا سويـاً وبعد الصلاة قال لي : أفكر في الانتحار !! كان أسلوبه غريباً نوعـاً مـا وفاجئني بطريقة طرحـه وبدايته للموضوع مع أني لم أسأله ولكني أحسست أنه يريد أن يتكلم في الموضوع فابتسمت له وقلت : ماذا تقول .. ولماذا ؟!! فقال لي ولماذا أعيش وبقائي يعني فقدان أبي لسمعتـه والتي ضل يعمل للحصول عليهـا عشرات السنين فقلت له : مابك !! فقال : أتاني الإيدز وهلاكي قرب وأنا مصاب بالإيدز !! وبدأ في البكـاء فاحترمت بكاءه وصمت لفترة من الزمن ثم قلت : وما فائدة البكـاء .. أو الانتحار كمـا تفكر ..؟ فصمت ولم يجب علي فقلت لـه : إن رحمت ربـك واسعـة وإنه على كل شيء ( قدير ) أعـد علاقتك مع ربـك وأصلح أمورك لكي تستطيع مقابلته يوم القيامة فبكى بكاءً شديداً وأحسست أنه بحاجة لي فقلت لـه : كمـا ترى شقتي واسعـة وأريد أن تسكن معي وابتسمت لـه فابتسم ثم أتى بجانبي وقبل رأسي فاستغربت هذه الحركة ولكني لم أتفوه بأي كلمـة .. مـرت الأيـام وأنـا أراه يذبل يومـا بعد يومـ ولكني أرى في وجهه نور الطاعة وترك المعصية فلم يترك صلاة قط ورأيت أيضـاً فيه الحرص على قيام الليل فشجعتـه على ذلك كان يتحاشى النظر إلي ويرغب بالوحدة وعندمـا تحدثت معه عن ذلك قال لي : أنـا مريض بالإيدز ألا تعرف معنى هذا المرض جيداً .. فسكت ولم أعلق على ما قال ... وبعد مرور شهرين من الحادثة وفي إجازة رأس السنة قال لي أن سيسافر عن المدينة التي نقطن فيهـا لأخرى - لتغيير الجو - وطلب مني مرافقته فرفضت ذلـك لأن امتحان المادة الأصعب يأتي بعد العطلة مباشرة وفي صباح مغادرته وعندمـا أردت أن أوقظه لم أجـده ووجدت ورقـة موجودة على فراشـه المرتب بعناية فتحتها ووجدت مكتوبـاً عليهـا : يؤلمنـي أن أبقى هنـا فإني أحس بالذنب والفحش ويصعب علي العودة للوطن فأشعر بالخيانـة والسفـل لذا قررت تغيير المكان علَي أكون أفضـل .. دعاءك لي بالمغفرة ..! .................. محبك : محمد .
فاجأتني رسالتـه وأسلوبـه ودعوت اللـه أن يشفيــه وقبل انتهـاء الإجازة بيومين فاجأني عند باب الشقة بوجه مشرق وأنا خارج لشراء بعض الحاجات فصافحتـه وقلت له : كيف كانت إجازتك ..؟ فقـال لي : جميلـة وابتسم لي ابتسامة اخفت وراءهـا آلاف المعاني والأسرار فعدلت عن قراري بالخروج لأبقى معـه واستفسر عن حاله فأخبرني أن ( شفي ! ) من المرض لم أتفاجأ فالذي يقدر على أن يحي الموتى قادر على شفـاء المرضى ولكن ما فاجأني قصته التي ادعى فيهـا أنه ذاهب للسياحة حيث يقول :
كنـت أظن أني سأفارق الحيـاة بـ ( هذا المرض ) فأحببت أن أعمل عملاً يكفر عني خطيئاتي فذهبت إلى هنـاك لعلمي بكثرة ( المسلمين بالاسم ) وبدأت بتقديـم النصيحـة لهـم ودعوتهم إلى الله وفي يوم من الأيـام أتتني امرأة كبيرة في السن وطلبت مني نسخة من القرآن فقلت لهـا سأحضره لك في صباح الغد في الساعة الـ 7 صباحاً وذهبت للفندق الذي أقطن فيـه ولم أجـد مصحفي فاتجهت إلى الجالية الإسلامية وهي تبعد 70 كيلاً عن الفندق الذي أسكن فيـه بأحد سيارات الأجرة حيث لم أستخدم سياراتي لأن الوقود قد نفذ منهـا ولا أريد أن أتأخر عن الجالية لأن أبوابهـا تغلق مع غروب الشمس وقبل المكان بكيلو واحد فقط طلبت من سائق الأجرة أن يقف لأكمل الطريق بقدمي فتوقف ومشيت للجالية فوجدت أبوابهـا قد أوصدت وبحثت عن وسيلة نقل فلم أجـد فلم أجد غير النوم في إحدى السكك بعيداً عن أنظار الناس ولأني لا أعرف المنطقة لم أدر ماذا أعمل استيقظت من النوم عدة مرات بسبب البرد الذي كاد أن يقتلني وفكرت في الرجوع حيث أبلغني أحد المارة عندما وجدني حائراً قبل الظلام أن هناك محطة قطار تبعد 5 كيلوات فقـط ولكني لم أفكر في الرجوع فلو رجعت ما استطعت أن ألبي للعجوز رغبتهـا لأن محطات القطار تزدحم في ساعات الصباح الأولى وقد أتأخر عن الموعد .. جاء الصباح وأخذت نسخة من القرآن وعاودت أدراجي ولم أصل إلى المكان الذي تواعدنا فيه إلا قبيلة الموعد ببضع الدقائق فأعطيتهـا ما أرادت وذهبت إلى غرفتي والألم يدب في أوصالي ولم أفق إلى قبل خروج وقت صلاة العصر ببضع دقائق فصليت الظهر والعصر جمعـاً وقصـراً ثم اتجهت إلى أحد المستشفيات لأني مصاب بالإيدز وهو مرض يضعف المناعة وكنت أجزم في قرارة نفسي بأن المرض بسبب لفحة البرد قد أهلك جسدي ولكن مع ذلك لم أحس به !! وعندمـا كشف الطبيب على درجة حرارتي وجدهـا سليمـة فطلبت منـه أن يجري لي كشفـاً كاملاً وبعد أن أجراه لي أخبرني بأن نتيجة الكشف بعد أسبوع وبعد أسبوع أي قبل يومين من مجيئي ذهبت له فأخبرني بأن النتائج سليمة فسجدت شكراً لله أمامه فاستغرب فعلتي فأخبرته بالحادثة وعندما أخبرته طلب مني نسخة من القرآن وبعض الكتب عن الإسلام وأعطيته بعضاً مما طلب عسى الله أن يهديه للإسلام ..
أمسكت برأسه وقبلته ثم قلت له : حمداً للـه على سـلامتـكـ..
وطلبت منه أن ينقل مقر سكنه عندي ويترك شقته وبعـد سنتين من تلك الحادثة أنهيت دراستي وبقي هو سنتين ومن خلال مجالستي معه رأيت فيه الشاب الحريص على أي عمل للخير وكان يلقي الدروس عن الإسلام في كندا نفـع الله بــه .. وتلك هي الحكاية يا صاحب ( الحدس ) الرائـع
ضحكت من كلمته وقلت :
الحمـد للـه أن توقعي لم يخطئ .. نفع الله بك وبــه وأخذنـا في التجوال قرابة النصف ساعة نتجاذب فيهـا أطراف الحديث ثم عدنـا إلى منزلـه وشكرت له حسن الضيافة وودعته وركبت سيارتي وقفلت عائداً إلى بيتي وتلك حكاية طالب مغترب ضاع فعـاد ولكن كثرة من يضيع فلا يستطيـع العودة هدى الله شباب المسلمين ..
،
،
بقلـم / خالد البراهيم
07/12/2008

هناك تعليقان (2):

  1. مآشآء الله تبآركـ الله آسلوب رآئع في سرد آلقصه
    قصه رآئعه بمعنى آلكلمه فآلآسلوب يشد لي آكمآلهآ حتى نهآيتهآ...

    ردحذف
  2. قصة مؤثرة جدا وفيها من العبر الشئ الكثير والأجمل أسلوبك في السرد.

    ردحذف